العبد الأسود
لقد
كان سيد التابعين عطاء بن أبي رباح أسود ، أعور ، أفطس ، أشل ، أعرج ، ثم عمي بعد
ذلك ، وقال عنه إبراهيم الحربي : كان عطاء عبدًا أسود لامرأة من أهل مكة وكانت
أنفه كأنه باقلاء.. ستة عيوب كانت في عطاء ماذا تظنه قد فعل بها ؟ هل تكسرت عزائمه
؟ هل بكى على قدره يائسًا منتظرًا يوم موته للخلاص من الدنيا والخلاص من تهكمات
الناس وسخريتهم ؟ هل قال عطاء لنفسه : عبدًا مملوكًا سأظل هكذا إلى الأبد ، أنا
أسود وأعور وأشل و.. لن يقبلني أحد ؟!
لقد
كان لعطاء أذنان تسمعان ، ورجلان تمشيان ، كان لعطاء لسان يتكلم ، ويد تكتب ، وعقل
يفكر ويحفظ .. هذا ما وجده عطاء في نفسه ، كان ينظر بعين المتفائل الراضي الذي
يمتلك الكثير من النعم .. لقد كان يعلم أن التغيير يبدأ من الداخل ، المهم كيف أرى
نفسي لا كيف يراني الناس ، إذا كنت ترى نفسك قويًا ذكيًا فهكذا ستبدو وبهذا
سيعاملك الناس ، إن السعيد هو من يرى الوجود سعيدا .
لقد صاح المنادي في زمن بني أمية في مكة أيام الحج : لا
يفتي الناس إلا عطاء ، وقال عنه الإمام أبو حنيفة : ما رأيت أفضل من عطاء. وقال
الإمام إبراهيم الحربي : جاء سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو
وابناه ، فجلسوا إليه وهو يصلي ، فلما صلى التفت إليهم ، فما زالوا يسألونه عن
مناسك الحج ، وقد حول قفاه إليهم ، ثم قال سليمان لابنيه : قوما ، فقاما .. فقال :
يا بني لا تنيا في طلب العلم ، فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود.
لقد
أصبح عطاء بن أبي رباح عالم الدنيا في زمنه .. لأنه رسم صورة ذهنية متفائلة مشرقة
عن نفسه وواقعه ، فكان له ما رأى وتوقع .. تفاءلوا بالخير تجدوه .. هذه كانت قصة
عطاء الذي مكث في الحرم 30 سنة يطلب العلم.
المصدر
: كتاب هكذا هزموا اليأس
نجاح العبد الاسود
إرسال تعليق