Pages

(الأمل البعيد .. قصة نجاح لفتاة سعودية )


(الأمل البعيد .. قصة نجاح لفتاة سعودية )


 ترويها لنا بقلمها :
قد تتعجبون عند قراءتكم قصتي وقد تقولون بأنها ضرب من الخيال ولكن لتعلموا أن كل حرف فيها ينبض بالصدق والحقيقة فقد نسجتها لكم من خيوط معاناتي.. لتعرفوا فقط أنني ما عانقت اليأس فيها يوما لأنني توكلت على ربي سبحانه وفوضت أمري إليه فمنحني قوة الإيمان والأمل.. التي جدفت بهما حتى رَسَتْ في النهاية على ميناء السعادة والحقيقة، فاقرءوها.. لتزرعوا الأمل في ما بعد في جنبات حياتكم.. ولتطردوا منها كل طائر يأس قد يعشش فيها. 
عشت طفولة بائسة أقل ما يقال عنها بأنها كئيبة مظلمة وسط أسرة فقيرة لا تكاد تجد ما تسد به رمقها من الجوع.. لم أعرف طعم الحلوى والسكاكر كباقي الأطفال في طفولتي البائسة تلك ومازلت أذكر كيف أننا كنا ننتظر الأعياد ومناسبات الأفراح لجيراننا وأهل الحارة بفارغ الصبر والترقب لأننا نتذوق من خلالها اللحوم والفواكه التي نحرم منها طوال العام.. كانت أسرتي أسرة مفككة لا يكاد أي فرد فيها يشعر بالآخر فلكل منا عالمه الخاص المغلق عليه هو فقط ولا يستطيع أيا كان أن يدخل إليه لا لأن أبوابه موصدة بقوة.. بل لأن أيا منا لم يكن ليهتم بدخول عالم الآخر فكل فرد من أسرتي للأسف كان لديه ما يشغله من أعمال وخصوصيات يخجل قلمي من ذكرها..!! 
كان أبي يعمل (مستخدما) في أحد المعارض وراتبه البسيط لا يصل بالأسرة الكبيرة إلى نهاية الشهر بأمان.. بل كثيرًا ما تتوقف بنا سفينة الحياة في منتصف الشهر.. هذا على الرغم من بؤس عيشنا وشظف حياتنا!! 
كان والدي إنسانًا سلبيًا قانعا من الحياة بعشرة أطفال مشردين في الشوارع أحيانًا لا يعلم عنهم شيئا.. وربما كان لاستخدامه المخدرات في بداية حياته وكثرة دخوله وخروجه من السجن آثارا سلبية جعلته لا مبالي بكل ما حوله.. كنت أشفق عليه أحيانا وأنا أرى نبتة الأمل تخبو في نفسه يوما بعد الآخر كان كثيرا الصمت والشرود لا يحرك ساكنا ولو انهارت الدنيا من حوله.. أو كأنما هو أحسن بأن خيوط حياته قد أفلتت من بين يديه فآثر أن لا يركض وراءها فأذعن لها بكل انهزامية واستسلام.. 
أما والدتي واعذروني إن تحدثت عنها بهذه الطريقة المؤلمة.. فالحقيقة أشد إيلامًا، فقد كانت تتسكع بين بيوت الحارة طوال يومها وكأنها لم تستوعب يوما أنها زوجة وأم... عليها واجبات تجاه زوجها وأبنائها وكانت دائما تنظر إلى ما في أيدي الآخرين وتحسدهم على ما أنعم الله به عليهم وتستجديهم وتريق ماء وجهها ليجودوا عليها ببعض الفتات، فكأن أمي وأبي قد اعتبروا أن هذه الأسرة مصيبة حلت عليهم فهم يخشون مواجهتها أو حتى التعايش معها..!! 
أما إخوتي فحدث ولا حرج فهم يعيشون بين جنبات الشوارع بلا هدف ولا معنى.. وأغلبيتهم انحرفوا عن جادة الصواب والطريق القويم دون أدنى مساءلة من أبي وأمي.. حتى إخوتي البنات لم يقمن وزنا للأخلاق ولا للشرف ولا حتى لنظرة المجتمع من حولهن..!! والكارثة العظمى أن إخوتي بمجرد وصولهم إلى الصف الرابع الابتدائي فإنهم يتسربون من مدارسهم بلا سبب سوى ضجرهم وعدم قدرتهم على النهوض صباحا فيقررون هكذا الانقطاع عن المدرسة دون حسيب أو رقيب والاكتفاء بالتقلب داخل رحم التخلف والانحراف والتشرد.. في ظل شرود أبي وتسكع أمي بين شوارع الحارة. عشت هذه الطفولة الكئيبة وأنا كارهة لو وضعي ناقمة على أمي وأبي اللذين تجردا من أشرف وأسمى لقب في الوجود، متشبثة بدراستي بقوة سمكة صغيرة مرتجفة تسبح ضد التيار الذي لا يرحم، وقد كنت من المتفوقات على الرغم من قسوة الظروف من حولي وتفكك أسرتي وانحراف أفرادها بلا استثناء.. وسأحدثكم الآن عن اليوم الذي غير مسار حياتي للأبد وفيه بدأت مأساتي الحقيقة والتي لولا إيماني بالله ورحمته بي لما تجاوزتها.. فحين حصلت على شهادة الصف الثالث متوسط وأنا الوحيدة من أسرتي التي وصلت إلى هذا المستوى.. تقدم رجل لخطبتي من أبي وكنت حينها في الخامسة عشرة من عمري أما هو كان في الستين من عمره مصاب بالضغط المرتفع والسكري ومدمن للخمر وتاجر للمخدرات.. مما يدر عليه دخلاً مرتفعا وهذا هو السبب الوحيد الذي جعل لعاب أمي وأبي يسيل ولا يكاد يقاوم الإغراء المادي الذي يتراقص أمامهما بكل بريق ولمعان، ومن دون تردد وافقا ودون حتى أن يأخذا موافقتي صرخت في وجهيهما.. لا أريده.. أريد أن أكمل دراستي.. زوجوه أختي الكبرى.. ولكن للأسف كان صوتي مجرد صدى يتردد من حولي دون أن يسمعه أحد سواي وكأنما كنت أحادث الفراغ اللامتناهي أمامي وليس والداي فقد أصما عقليهما إلا من نداء المال قبضت أسرتي ثمن البيعة الخاسرة وهي مسرورة على الرغم من علمهم بأنه من مصدر حرام.. وتم زفافي وسط جو كئيب من التعاسة واللامبالاة.. فتخيلوا أن أمي لم تفكر حتى في توجيه أية نصيحة لي تلك الليلة أو حتى إلقاء نظرة على زينتي وماكياجي الذي وضعته أنا على وجهي أو حتى أن تتفقد أغراضي التي أحتاج إليها في بيتي الجديد.. أتعلمون ما أول شيء وضعته في حقيبتي، وضعت دروسي وكُتبي والتي كنت أتعلق بها كما يتعلق الطفل الصغير بثوب والدته خشية ضياعه منها في دروب الحياة الغامضة. ودخلت داري الجديدة، عفوا أقصد سجني وبمجرد أن أغلق الباب وراءه بدأ بافتراسي كما يفترس الذئب ضحيته بكل وحشية ودموية حاولت الهرب منه ولكنه لم يمهلني بل بدأ بتمزيق فستان زفافي ومعه مزق كل معنى جميل كنت أحاول رسمه لحياتي القادمة.. لقد اغتصبني كما يغتصب المجرم عديم الأخلاق ضحيته في شوارع الليل المظلمة وبين جنبات الخرائب المتهدمة، وبعد أن انتهى من جريمته تناول شرابه الكريه واستلقى على فراشه كثور ضخم متبلد الإحساس دون حتى أن يكلمني أو ينظر إلى وجهي وارتفع صوت شخيره البغيض وهو أشبه بصوت طرق عنيف على أذني.. 
ولكم أن تتخيلوا فتاة في الخامسة عشر من عمرها في هذا الموقف المروع الذي اغتال آدميتها ونقاءها أخذت أرتجف بألم وأجفف جراحي النازفة وأهدئ من روعي المتصاعد من هذا الوحش الآدمي.. الذي يرتدي عباءة الزوج.. خمس سنوات مرت من عمري دفعتها كفاتورة قاسية للجشع والطمع اللذين أعميا أبصار أهلي، خمس سنوات من عمري دفعت ثمنها غاليا وذقت فيها كل ألوان العذاب من ضرب بالسياط والنعال - أكرمكم الله - والحبس وحتى الحرمان من الطعام وكأنني خادمة يتيمة في قضية سيد اشتراها من ماله فهو يتحكم بها كيف ما يشاء.. كل ذلك لم يقهرني بقدر ما قهرني وجعلني أنزف من الداخل حرماني من الدراسة ورفضه التام لذهابي إلى المدرسة أو حتى لانتسابي وأدائي للاختبار نهاية العام، أصبحت أشبه بهيكل عظمي نتيجة الهم والغم الذي أصابني بسبب حرماني من الدراسة ولكن الله الرزاق الرحيم يشاء أن يهبني أطفالا يشغلونني عن كثرة التفكير بحرماني من الدراسة التي أعشقها إلى درجة لا يتصورها إنسان، أنجبت ولدين وبنتا خلال خمس سنوات فقط وأنا في العشرين من عمري لقد عاهدت نفسي أن أجنب أطفالي جميع ما مررت به في طفولتي من ألم الإهمال وعدم الإحساس بالأبناء.. ولكن أنى لي ذلك وأبوهم إنسان متجرد من شرف الأبوة فبمجرد أن يشرب الخمر ويصبح ثملا فإنه يقوم بضربي وإياهم على أتفه الأسباب.. أتدرون أنني في أغلب الليالي الطويلة كنت أحتضنهم وأنام وإياهم ونحن جالسون خوفا من أن يقوم بقتلنا كما كان يتوعد دائما.. أما حين يكون بحاجة للمخدر ولا يجده فإنه يقوم بتحطيم الأثاث وتكسير الأواني وطردي مع أطفالي إلى الشارع وكثيرا ما قام جيراننا الطيبون بإيوائنا رحمة وشفقة بنا ولعلكم تتساءلون عن والداي ودورهما مساعدتي..؟ اسمحوا لي أن أصدمكم بقولي.. أنهما لم يحركا ساكنا تجاه ما يريانه من أحداث مؤلمة تحيط بي. وكاد اليأس أن يتسلل إلى نفسي من هذه الحياة السوداء التعيسة التي أعيشها ولكن قوة إيماني بربي كانت تحول بيني وبين هذا الشبح البغيض.. دعوت الله في تلك الليالي المدلهمة أن يفرج كربي ويزيل عني هذا البلاء الذي تعجز نفسي المرهفة على احتماله! واستجاب الله لدعائي.. ففي ذات يوم سمعت صراخ الجيران من حولنا وهم ينادون علي (يا أم 
فلان.. زوجك.. زوجك) ركضت أنا وأطفالي مسرعين خرجنا من الدار لنرى ما حدث.. لقد قام زوجي السكير بالعراك مع رجل من زبائنه اختلف وإياه على ثمن قطعة هيروين فتطاعنا بالسكين فطعنه زوجي طعنات قاتلة فمات على الفور.. 
لقد شاهدت زوجي المجرم وقد تلطخت ملابسه بالدماء وهو يرتجف بين أيدي رجال الشرطة، كما يرتجف الفأر المذعور حين يقع في المصيدة، كانت شفتاه تميلان إلى اللون الأبيض من هول الموقف، وأطرافه بالكاد تحمله، أما عيناه فكانتا زائغتين ينظر إلى الناس من حوله بذهول أما أنا فلا تسألوني عن مشاعري المضطربة حينها، لا أدري أهي لحظات سعادة، أم شماتة انتظرتها من زمن طويل، أم هي مشاعر ألم هيجتها ذكرياتي المؤلمة، لم أشعر إلا وأنا أردد لا شعوريا، الحمد لله.. الحمد لله، تذكرت تلك الليلة الحزينة ليلة زفافي الأليمة حين وجه طعناته النافذة، واغتصبني بقسوة رجل سكير يحمل بين جنبيه قلبا من صخر لا رحمة فيه ولا شفقة.. تذكرت جراحي النازفة وثيابي الممزقة , وارتجافي بين يديه بخوف، لم أكن أعلم إلى أين أفر؟ ولم يكن لي مهرب تذكرت دموعي الساخنة في تلك الليلة السوداء، يا إلهي ها هو الزمن يعيد تصويره العجيب إنه اليوم في نفس موقعي بالأمس، يا لها من دنيا عجيبة. وبعد أسبوع فقط من القبض عليه وقبل حتى أن تبدأ محاكمته، أصدرت عدالة السماء حكمها فمات بعد ارتفاع الضغط وإصابته بنزيف دماغي، أتتخيلون البلبل الصغير حين يفتح له باب القفص فجأة فيتردد في الانطلاق ظنا منه أن ذلك حلم، كنت أنا مثله تمامًا، بصقت على دولاب ملابسه وعلى كؤوس خمره القذرة وعلى سوطه الذي ألهب جسدي وجسد أطفاله من ضرباته المؤلمة بصقت على كل شبر في منزلي سار عليه ودنسه برجليه الكريهتين وجاءت أسرتي تعزيني بوفاته وأنا التي لم أرهم منذ سنتين فكانت أول كلمة قالتها أمي حتى قبل أن تقبلني الله يرحمه.. هل عنده ورث؟!! ولولا خوفي من الله لطردتها وطردتهم جميعا، ومن تصاريف رب القدر أن زوجي كان مدينا وحين علمت أسرتي بذلك لم أعد أراهم، فقد خافوا أن أشكل عليهم عبئا إضافيا أنا وأطفالي، شعرت بالألم الممزوج بالقهر، فيا لها من بيعة خاسرة تلك البيعة التي 
أبرمها أهلي مع ذلك الجلاد.. خمس سنوات من عمري ضاعت وحين كان أهلي يستعدون لجني الأرباح وجدوا أن الأسهم كانت خاسرة.. ففضلوا الهرب بعيدا، جلست أفكر مليا فأنا الآن أمام مفترق الطرق، فأنا أرملة جميلة في العشرين من عمري لدي ثلاثة أطفال، وليس لدي مورد رزق.. ماذا أفعل؟؟! أمامي طريقين أسلكهما الأول هو طريق الكفاح والصبر.. والأمل البعيد، والثاني: طريق الكسب السريع حين أبيع أنوثتي للراغبين في امرأة جميلة ووحيدة، اخترت الطريق الأول بلا تردد.. فأهم شيء حصلت عليه من رحلتي المؤلمة أنني أصبحت حرة ليس لهؤلاء عديمي الرحمة والشفقة قيد عليَّ فكان أول ما فعلته أنني بعت آخر قطعة ذهب خبأتها عندي بمبلغ لا بأس به ورحلت عن هذا المنزل الكريه الذي شهد أسوأ ذكرياتي... وانتقلت أنا وأطفالي إلى مدينة بعيدة وهناك استأجرت غرفة صغيرة بحمامها، واشتريت موقدا صغيرا وسريرا مستعملا ليضمني أنا وأطفالي، وبعض الأواني القديمة المستعملة، أعترف أنها كانت غرفة حقيرة حتى في نظر الفقراء ولكن ما جعلها مثل الحلم بنظري هو أنني وحدي فيها مع أطفالي فأنا التي أحدد مصيري بعد إرادة الله طبعا فلا أحد بعد اليوم سيرسم لي طريق حياتي البائسة. 
بدأت أبحث عن عمل شريف أعيش منه أنا وصغاري ولقد سخر الله لي جيران طيبين ساعدوني كثيرا فقد كانوا يتصدقون علينا ببعض الطعام والملابس القديمة وأحسنوا إليَّ فجزاهم الله عني خير الجزاء ووجدت عملاً حكوميا كمستخدمة في إحدى المدارس الثانوية القريبة من بيتي، ولا أنسى أول راتب قبضته في حياتي، صحيح أنه كان بسيطا ولكن دموعي انهمرت من عيني لحظة تسلمه بكيت كثيرًا وحمدت الله على رزقه وإعانتي على لقمة العيش الشريفة، اشتريت لأطفالي ملابس جديدة وألعابًا وطعاما طيبا ولأول مرة منذ أربعة أشهر أطبخ لحما ودجاجًا لأطفالي، وأشتري لهم بسكويتا وشوكولاته، كنت أرى السعادة تتراقص في أعينهم وهم يتلذذون بما أحضر لهم خاصة حين هجرنا الخوف من ذلك المجرم الذي كان يضربنا في كل لحظة وكأننا كلاب شريرة جاءت تتسول على بابه. مرت سنة كاملة عليَّ وأنا في وظيفتي استطعت خلالها أن أكسب احترام مديرتي وتعاطف المعلمات 
وحب الطالبات بما منحني الله من تفاني بالعمل وإخلاص، وذات يوم سألت نفسي لم لا أكمل تعليمي الثانوي خاصة أنني في مدرسة ثانوية وعرضت الأمر على مديرتي فشجعتني كثيرا وفعلا قدمت أوراق انتسابي وكانت صدفة أن ابني البكر يدرس في الصف الأول الابتدائي وأنا في الصف الأول الثانوي، اجتهدت كثيرا في دراستي على الرغم من الأحمال الملقاة على عاتقي كأم وموظفة وطالبة، وفي خلال ثلاث سنوات حصلت على شهادة الثانوية العامة بنسبة سبع وتسعين بالمائة وكانت هذه النسبة مفاجأة لكل من حولي بكيت كثيرا وأنا أرى ثمار جهدي بدأت تنضج... انتقلت من عملي كمستخدمة وقدمت على وظيفة كاتبة في إحدى الدوائر الحكومية براتب جديد بالإضافة إلى تقديم أوراق انتسابي إلى الجامعة قسم التربية الإسلامية، استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفتين وصالة ومطبخ مستقل وحمام ولأول مرة يدخل التلفزيون إلى بيتنا بعد أن أخذت سلفه من البنك أثثت فيها الشقة أثاثا جديدًا صحيح أنه كان بسيطا ولكنه لم يكن مستعملاً وبدأت ارتاح نوعا ما في حياتي خاصة أن أطفالي جميعهم دخلوا المدارس وأصبحوا من المتفوقين دراسيا وأخلاقيا، اشتريت لأطفالي ما كانت نفوسهم تهفوا إليه من ألعاب رخيصة وملابس بسيطة وحاولت قدر الإمكان أن أعوضهم عن حاجتهم إلى العائلة الكبيرة، فكونت صداقات عميقة مع زميلات وأخوات في الله، كن نعم العون لي فكنا نذهب في نزهات وزيارات سوية نروح عن أطفالنا والذي كان يثلج صدري ويمنحني الصبر والأمل هو نظرات الحب التي كنت أراها في عيون أطفالي وتلك القبلات اللذيذة التي كانوا يعطرونني بها بمناسبة أو بدونها، مرت أربع سنوات عصيبة حصلت فيها على البكالوريوس بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى ثم استقلت من عملي ككاتبة وتم تعييني معلمة في مدرسة ثانوية كان ابني الكبير في الثالثة عشرة من عمره حين أصبحت معلمة احتضنني بقوة وهو لا يكاد يغالب دموعه قائلا (أمي أنا فخور بك أنت أعظم أم في العالم) واحتضنتهم جميعا وظللنا نبكي بلا شعور لساعات طويلة، ولأول مرة في حياتي أقبض مرتبا ضخمًا، تصدقت بنصفه كشكر لله على نعمه المتوالية عليَّ وبما يسر لي من أسباب الرزق وبنصفه الباقي اشتريت 
لأطفالي جميع ما يحتاجون إليه وبدأت فيما بعد أدخر جزءًا كبيرا منه لبناء منزل خاص بنا، وقدمت على الماجستير وحصلت عليها خلال سنتين فقط بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وبدأت في بناء منزلنا الكبير المكون من طابقين به عشر غرف وصالتين ومطبخ ومستودع وحديقة كبيرة ومسبح جميل وقدمت على الدكتوراة وكان مشوارها صعبا جدا خاصة أن أطفالي بدؤوا يكبرون ويتدرجون في فصولهم فكان الإرهاق يكاد يقتلني أحيانا وأنا أشتت نفسي بين عملي كمعلمة وبين مذاكرتي للدكتوراة وأبحاثي وبين مذاكرة أولادي وبين الإشراف على البناء والتأثيث والذي كان أثاثًا فخما ورائعا، وحصلت خلالها على درجة الدكتوراة وبامتياز أيضا مع مرتبة الشرف وتم تعييني كأستاذة في الجامعة، وأنا في السابعة والثلاثين من عمري، أتعلمون لحظة تسلمي لشهادتي بمن فكرت؟؟ لقد فكرت بأمي، ترى لو رأتني في هذا المشهد فهل كانت ستبكي من الفرح، أو أنها ستسألني عن العائد المادي الذي سأجنيه من وراء ذلك؟! 
ولكن لا تعتقدوا أني إنسانة عاقة لوالدتي أو أنني لم أحاول صلتها في ما مضى بالعكس لقد ذهبت إليها أكثر من مرة خلال مشوار حياتي فوجدتها كما هي لم تتغير تتسكع بين بيوت الجيران وتهفو إلى المال دائما أيا كان مصدره حتى أنها كثيرا لا تسأل شقيقاتي من أين يأتين بالمال بل أهم من ذلك أن يعطينها شيئا منه.. أما والدي فقد توفي بعد زوجي بسنة واحدة اقتطعت جزءا من مرتبي شهريا وكنت أرسله لها بانتظام إلى أن توفاها الله بعد ذلك.. أما إخوتي وأخواني فلم يكن يشرفني التعرف إليهم أو تواجدهم في حياتي فابتعدت عنهم من أجل أبنائي ابتسمت الحياة لي بعد عبوس طويل فها انأ الآن لي مركزي الاجتماعي وأعيش في بيت فخم وعندي الخدم والسائقين وأبنائي جميعهم قد تخرجوا من جامعاتهم العلمية فابني الكبير أصبح طبيبا جراحا والآخر مهندسا معماريا والصغرى طبيبة أطفال وقد زوجتهم جميعا وأصر ابني الكبير أن يعيش هو وزوجته معي فملؤوا عليَّ البيت بالحياة وضحكات الأحفاد وها أنا الآن في الخامسة والخمسين من عمري مازلت أحتفظ بمسحة من جمالي برغم جميع الظروف التي مررت بها... 
قصتي هذه أهديها إلى كل يائس ومحبط لعل بها من بصيص الأمل ما يبدد لحظات اليأس في حياته!! 
وصدقوني لو استسلمت لليأس ولحظاته المريرة لما وصلت إلى هذه الحياة التي أعيشها الآن بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل تمسكي بالأمل رغم كل الخطوب من حولي. 
اليأس قاتل حين يشرع له أبوابنا كضيف ثقيل لا يبالي بمشاعر الآخرين. 
فيا أيها اليائس إياك أن تفتح له بابك وإن ادلهمت من حولك الصعاب..!! 
فصدقوني ومن تجربة خضتها واستطعت النجاح فيها ليس هناك أجمل من التفاؤل والتشبث بالأمل حتى وإن كان صغيرًا. 

المصدر : كتاب هكذا هزموا اليأس

الرجل الذي لا يؤمن بالفشل مؤسس CNN


الرجل الذي لا يؤمن بالفشل


يعتبر تيد تيرنر, مؤسس شركة ( CNN ) من أكثر الأشخاص مخاطرة وحبا للخوض في المجهول سعيا وراء إثبات صحة مايفكر ويحلم به . 
ولإعطاء القارئ فكرة بسيطه عن مدى حبه للمغامره والمخاطرة , فقد غامر تيرنر العالم 1970 بوكالة إعلان كان يملكها والده ليخسر الكثير من وراء فتحه مؤسسة تلفزيونية تدعى WTBS حولها إلى محطة " سوبر ستايشن " , ثم عاد وخاطر مرة ثانية ليشتري Atlanta Braves & Atlanta Hawks , ثم خاطر بمئة مليون دولار لينشئ محطة CNN ثم بكل مايملك ليمتلك شركة CBS وخسرها فعلا خلال سعيه لامتلاك MGM.


كانت أفعال تيد جنونية حسب رأي موظفيه , وعائلته والإعلام, أما بالنسبة إليه فكان مايفعله أمرا طبيعياً جدا , وكان يردد دائما : عدم العمل هو قمة المخاطرة". ويقول عن ذلك " يجب أن تجرب دائما وتخاطر وتغامر ؛ لأنه ليس بوسعك سوى سنوات محدودة لتحقيق أحلامك " ولم يكن تيد يؤمن بالفشل؛ إذ لطالما قال :" إن قاموس مفرداتي لا يحوي عبارة ( إذا فشلنا)". تأثر تيد تيرنر بهلين كلير التي قالت : "أما الحياة فمغامرة يومية أو لاشيء "  وكان يعتبر أن الخوف من المخاطرة هو مايجب أن يخافه كل إنسان . كما تأثر بقول جورج جليدر: " إن المستثمر الذي لا يتخذ قراراً إلا عندما يتأكد من أن الإحصاءات ستتطابق من وجهة نظره والمستثمر الذي ينتظر الموافقة من السوقيحكم على نفسه بالفشل ! ".

ولم يكن تيد تيرنر مخاطراً في العمل فقط إنما في حياته بشكل عام فقد خاطر بحياته وبحياة من معه من خلال سباق للقوارب هبت خلاله رياح شديدة أدت إلى فقدان أغلب القوارب المشاركة . رفض الرضوخ, تابع يتحدى الرياح العاتية والتي قتلت 15 مشاركاَ وفاز بالسباق, كان شعار تيد تيرنر " كن قائدا واستمر أو أبتعد عن الطريق"."Lead Follow Or Get Out Of the Way"  وقد جعله هذا الشعار من أشهر الشخصيات في العالم. 

ولد روبرت إدوارد تيرنر الثالث ( أو تيد تيرنر , اختصاراً)  في سنسياتي أو هايو في الولايات المتحدة الأمريكية في 19/ 11/ 1938م .ترك المدرسة الداخلية في سنسياتي عندما كان في السادسة , وذلك لاضطرار أهله لترك المدينة بسبب مهمة حربية لوالده. تركه للمدرسة أثر فيه كثيراً , وولد لديه شعور بعدم الأمان والرفض. كان والده قاسيا جدا في تعامله معه, وكان يضربه كثيرا في صغره, حتى أنه في أحد المرات ضرب تيد والده كرد على الضرب المبرح الذي كان يناله منه. ولكنه ندم بعدما فعل ذلك وبكى بمرارة. كانت علاقة تيد بوالده ممزوجة بالكراهية والحب إذ كان والد يعاني الإكتئاب, وكان لهذه العلاقة تأثير كبير في تكوين شخصيتة تيد تيرنر. انتقلت العائلة إلى سافانا في ولاية جورجيا عندما كان عمر تيد 9 سنوات, وقد قضى فترة صباه يدرس في كليتين حربيتين, ويحاول التأقلم مع مجتمع عدواني, حيث إنه كان منبوذا وغير محبوب من الأولاد حوله والأصدقاء, والذين كانوا ينعتونه بأبشع الصفات والألقاب. درس الثانوية العامة في أكادمية ماكالي الحربية . كان فاشلا في الرياضة ولكنه كان قارئا نهما ويقرأ الحضارة اليوناينة.
وكان معجباً الأسكندر الكبير وتأثر بها كثيراً . وكان والده يحبه, ولكنه على قناعة بأن شعور تيد بعدم الأمان سيكون دافعاً رئيساً في تطور شخصيته. وكان يعتبر أن عدم الأمان يدفع الإنسان ليكون عظيماً وسيكون مجبراً على المنافسة التي تؤدي به إلى البروز , وقد أثبتت الأيام أن والد تيد على حق, حتى إن تيد تيرنر نفسه كان قد صرح لديفيد فروست في أكتوبر 1991م قائلا:
" من الصعب أن تجد إنسانا ناجحا لم يكن جزء من دافعه للنجاح نابعا من شعور بعدم الأمان".

أحب تيد سباق القوارب الشراعية وذاع صيته واشتهر بشجاعته ومخاطرته في هذه اللعبة. كان يحب أن يستعرض بمركبه الشراعي , ويقوم بحركات خطيرة أعطته لقب " تيد البهلواني"  ترك العلوم الإنسانية , ليدرس الإقتصادر بعدما كتب إليه والده قائلاً:" إنك تتحول إلى مغفل بسرعة مدهشة" .
حبه للقوراب الشراعية دفعه إلى اختيار انابوليس لإكمال دراسته الجامعية, لكن والده عارض الفكرة؛ لأنه يريده أن يدخل جامعة ايفي ليغ فقرر تيد دخول جامعة هارفرد لكنهم رفضوه, فدخل جامعة براون, وأصبح بعدها " البلاي بويو رقم 1" لينتقم بذلك من الرفض الذي يلقاه منذ طفولته, وتخصص تيد
في العلوم الإنسانية, وشكل تيرنر مع بيتر دامس في الجامعة ثنائيا فاسقا يشار إليه بالبنان , فكان شغفهما بالجنس اللطيف غريباً.  ولولا حبه للقوارب الشراعية لكان يقضي وقته في أقامة الحفلات . وقد تم توقيفه عن الدراسة لفترة تخطيه حدود الآداب التي يجب أن يتحلى بها الطلاب, ولأنه لم يرتدع تم فصله نهائيا من الجامعة, وكان يوصف بأنه ولد مجنون.


عمل تيد تيرنر كبائع إعلانات في وكالة الإعلان التي كان يملكها والده الذي انتحر وكان عمره تيد أنذاك 24 سنة. وقد أوصى والده قبل أنتحاره بأن يرث تيد وكالة الإعلان لكن في الأيام التي تلت تبين أن والده قد باع الوكالة إلى أحد منافسيه!!. جن جنون تيد وبذل أقصى جهده لكي يوقف الصفقة من دون جدوى . كانت الوكالة هي الرابط الوحيد الذي يربطه بوالده. وقد سافر إلى بالم سبرينغ ليطارد رجل الأعمال الذي لم يعر أي أهتمام لتيد؛ لأنه كان يعتبره ولداً عديم الخبرة, وكل ما يحاوله هو أن يقبض ثمنا أكبر من الذي أشتراه من والده حتى يتسنى له ممارسة هواياته في القوارب الشراعية وملاحقة الفتيات, ولم يشكل تيد أي خطر على المشتري ؛ لأن الجميع كانوا يعتبرونه شخصا ساذجاً. لا شك في أن تيد كان مبتدئاً في أمور العمل ومتاهاته ,  ولا يعرف الكثير عنه إنه يعتمد على حدسه وغريزته في اتخاذ القرارات؛ وكان تعامله مع العمل كتعامله مع سباق الزوارق الشراعية أو كخوض حرب !!

تأثر تيد كثيراً بما قرأه في طفولته ومنها " التجارة والعمل حرب " لذا استعمل مناورة ساعدته كثيرا وهي أنه خلال 24 ساعة من آخر رفض لطلبه بوقف صفقة بيع وكالة والده اتفق مع موظفي قسم تأجير مساحات الإعلانات على تحويل جميع العقود ( العصب الرئيسي للوكالة) إلى أسم شركة جديدة, ماسحب البساط  من تحت الشركة المنافسه من مينيابوليس , التي ضاقت ذرعا بتصرفات الصبي الأرعن الذي أعطاهم مهلة أسبوعين لإلغاء الصفقة.


كانت الشركة تعلم أن تيد مفلس, وليس معه مال, فاجتمعوا معه وعرضوا عليه مبلغ مقداره 200 ألف دولار. إما أن يدفع أو أن يترك الشركة وإذا لم يوافق على هذا العرض, فأنهم سيستعملون كل الوسائل القانونية لكسب القضية. كما أنهم أرادوا أن يعطوه درساً لطيشه وتهوره, فأعطوه مهلة 30 ثانية لاتخاذ القرار. اعتقدت الشركة المنافسة بأن تيد سيأخذ المبلغ ويذهب إلى سباق القوارب, ولكن صعقهم عندما قال لهم : "أنا لا أحتاج إلى 30 ثانية سأدفع لكم 20000 دولارا  واخرجوا من مكتبي.!!".
لم يكن أحد يتوقع هذا القرار, حتى تيد نفسه الذي سأل بعدها مديره المالي : "من أين لنا هذا المبلغ الضخم ؟ ولحسن حظ تيد أن الشركة المنافسة  وافقت على أخذ المبلغ على شكل أسهم بدل المال , وكسب تيد الرهان". كانت هذه اللحظات نقطة تحول في حياة تيد فهذه المخاطرة علمته ألاَّ يهاب شيئاً, وأثرت الطريقة التي اتخذ بها قراراته في كل مراحل حياته. لقد أعطته هذه التجربة دفعة معنوية مفعمة بالثقة بالنفس, ودفعته إلى اتمام صفقات اعتبرها الجميع جنوناً واضحاً, كان مؤمنا بنفسه, وواثقا إلى درجة مدهشة جعلته محاربا في العمل من الدرجة الأولى, بخاصة عندما حاربته المؤسسات التالية خلال شقه لطريق النجاح والتقدم :
RCA, NBC, CBS, time, Westinghouse, federal,
communicatons, Commission, Cable operator.

يعتقد الناس بأن تيد تيرنر كان مولعاً بالتفزيون , ولذلك انخرط في هذا المجال, لكن العكس هو الصحيح. فالغريب أن تيد لم يحب التلفزيون أبدا, وهو لم يحضر 100 ساعة تلفزيونية  قبل أن يفتتح محطة السوبر ستايشن والتي كانت تعرف من قبل بـ
UHF, WTS, وقبل أن يفتتح CNN . نعته الجميع بالحماقة والجنون؛ لأن المحطات الباقية كانت أكبر منه 100 مره, وهو يخاطر بمبالغ خيالية ليطرح فكرة محطة CNN . قال تيد لأحد مساعديه: " هل أنا مجنون فعلاً ؟ لماذا أفعل هذا ؟ كيف أقوم بعمل كهذا وألتزم بمئة مليون دولار ؟ هل فقدت عقلي ؟
لكنه قرر المضي قدماً في قراره, وغير بذلك النظرة إلى التلفزيون على الرغم من الصعوبات الجمة التي واجهها في البداية, حيث حار في أمره كثيرون, وحكم عليه كثيرون بالفشل , ولم يستطع جذب المعلنين في البداية. كان كرستوفز بونز من " الواشنطن بوست " من أشد منتقديه, وكان يردد دائماً : إن هذا المشروع فاشل .!. ويقول عن ذلك : " السبب الرئيس الذي جعل تيد تيرنر يمضي قدما في مشروعه هو أنه لا يفهم المشكلات التي ستواجهه, إنه ببساطة, لا يركز ولا يعلم الحجم الحقيقي لما يفعله, ولو فكر للحظة لخاف وتراجع , وبخاصة أنه لا يفهم شيئا في مجال الأخبار والتلفزيون". أثار هذا التعليق سخط تيرنر, ما دفعه إلى إرسال غراب ميت وشوكة إلى بونز بمناسبة افتتاح سي إن إن !! ^^..
وقبل ولادة CNN كان طرح RCA للقمر الصناعي SATCOMI العام 1975 الفرصة الذهبية لتيد تيرنر, وأسهم ذلك في نجاحات تيد تيرنر ,
والذي ضرب بعرض الحائط بكل مفاهيم البث , وبدأ ببث برامج مجانيه على شبكة الكابل, ما أثار غضب الشبكات المنافسة واعتبروه خطراً عليهم 
لكن الإقبال على مشاهدة برامج السوبر ستايشن كان ممتازا؛ لأنه قدم خدمة ترفيهية مجانية.

فاز تيد أخيرا في 3 مارس 1980 بحق ربط cnn بالقمر الصناعي ستايكوم1 , ويقال أن معركته لكسب هذا الرهان تصلح لأن تكون سيناريو لفيلم في هوليود؛ لأنه استعمل كل الأساليب من تهدية إلى تملق إلى الرجاء. وكانت فرصته الوحيده وكسبه للقضية التي كانت بينه وبين fcc للبث على الهواء 
إنقاذا له, ولولا فوزه لكان تيد تيرنر أعلن إفلاسه.  وتمت إذاعة أول برنامج لـ cnn في 1/6/ 1980م.


كانت مشروع سي أن أن مخاطرة عظيمة , لكل الأرقام تشير إلى الفشل. حسب الأرقام, فإن cnn لن تستطيع أن تغطي 60 % من المصاريف. 
وحتى هذا الرقم كان مبنيا على اشتراك 8 ملايين مشترك , والذي لم يكن مضمونا في ذلك الوقت . وبناء على تجربة السوبر ستايشن, فبتأكيد ستسخر الشركة مايقارب مليون دولار شهريا, صرف تيد تيرنر 35 مليون دولار تقريبا, وكان وعلى وشك الإفلاس عندما باع شارلوت ستايشن قبل افتتاح سي أن أن , ودفع 7 ملايين دولارللموظفين, وكانت الشركة تخسر مليون دولار كل شهر. ما دفع الجميع إلى نعي تيد تيرنر ماديا في العامين 1980م - 1981م .

حسن الوضع بعد ذلك وفي عام 1986م اشترى شركة  أم. جي. أم مقابل 4,1 مليون دولار ليحصل على مكتبة الأفلام النادرة التي تحتويها الشركة . 
وصف بالمجنون مرة ثانية, وكان هذا الوصف صحيحا هذه المرة؛ لأنه أصاب تيد تيرنر بالإفلاس, نظراً لديونه الضخمة المتراكمة , وتمت كفالته بمبلغ حصته من شركة turner- broadcating station التي انخفضت من 83 في المئة إلى 43 في المئة, وعاد تيد تيرنر إلى الوقوف على رجليه من جديد, وكانت الغبطة الرئيسية لـ cnn هي أنها كانت المحطة الأولى التي تبث وقائع اغتيال البابا بولس الثاني من روما, وفي العام 1982 وضعت مجلة " التايم " صورة تيد على غلافها , ووصفت cnn بأنها من الأربعة الكبار إلى جانب cbc, nbc, abs , ووصلت cnn إلى أفضل حالاتها خلال حرب " عاصفة الصحراء" العام 1991م, حيث كان الرئيسان جورج بوش وصدام حسين يتابعانها لحظة بلحظة, ولا يشاهدان غيرها مع الملايين من البشر, وحقق بذلك تيد تيرنر حلمه في التواصل مع ملايين البشر بعد 10 سنوات من إنشاء المحطة.

وسئل تيد تيرنر مرة : كيف استطاع أن ينشىء cnn على الرغم من أن الجميع توقع فشله, بخاصة أنه لم تكن لديه أية خطة, ولم يتابع آية دراسة للسوق أو دراسة للمستهلك ؟ فأجاب: أنت لا تحتاج إلى دراسة إذا كنت مؤمنا بفكرتك وواثقا من نجاحها, لم أتبع دراسة خلال أنشائي سي . أن أن ؛ لأن هذه الدراسة كانت ستكلفني كل ما أملك ..أنا أفعل ما تمليه علي أفكاري".

تميز تيد تيرنر بأنه مقنع إلى درجة كبيرة, وكان يشبه شخصية فريدريك سميث في سحر شخصيته. عن قوة إقناع تيد تيرنر , يقول جورج بابيك من مكتب نيويورك : إذا قال لك تيد إن الشمس ستشرق من الغرب في الساعة الخامسة صباحا فإنك بالتأكيد ستضحك عليه, ولكنك في الوقت نفسه ستضبط المنبه في الخامسة صباحا لربما كان تيد على حق ..!.


كان تيد لغز وشخصية متناقضة بالنسبة إلى موظفيه , أصدقائه, زوجته السابقه جاني, فهو يتكلم عن فلسفة معينه ويفعل عكسها. كان يحلق شعره بنفسه, ويحلق شعر أولاده لسنوات طويلة , حتى عندما كان يملك 100 مليون دولار. كان يؤنب موظفيه وأصدقاءه على التبذير وقد ضبطته زوجته مرة عندما كان يطفئ الأنوار لتخفيف المصروف, وفي الوقت نفسه ينفق الملايين على نزواته التجاريه ! .. 

كذلك كان تيد شخصية مخاطرة إلى أبعد الحدود, ويقول دائما " إن اسعد لحظة في حياتي هي عندما يقول الناس : إن موضوعاً ما سيفشل, وأثبت لهم العكس, لقد عارضني الجميع في كل خطوة, ووافقني الجميع بعدما قمت بها".

كان لا يطيق التردد والتأجيل, ونشيطاً ومملوءاً بالحيوية , يشبه النمر في تحركاته, كثير الكلام, لدرجة حتى أن موظفيه قالوا عنه : عندما تتحدث معه تحس بأنك تتحدث مع راديو, كان يحارب حتى أخر لحظة. وعن ذلك يقول تيد: لا يمكن أن ارفع راية بيضاء في حياتي .أنا لا أستسلم أبداً وهذه هي قصة حياتي".

تيد تيرنر شخصية غريبة, فقد كان لديه - على الرغم من حبه للمخاطرة - خوف دائم من الموت, وإحساس بأن احداً سيقتله, وهاجسه هذا دفعه إلى الإدمان على دواء " ليثيوم" ليعالج نفسه من هذه الحالة. تزوج تيد تيرنر 3 مرات ورزق بخمسة أطفال ( اثنان من الأولى التي تزوجها لسنتين, وثلاثة من الثانية جين سميث والتي ظلت معها لمدة 3 سنوات) وتزوج في 7/ 12 / 1991م من الممثلة جين فوندا في عيد ميلادها, وقد تركت التمثيل لأجله.

وصلت CNN إلى المرتبه الثانية في شبكات الكابل بعد ESPN , ووصلت مشتركيها العام 1991م إلى 60 مليون وكل هذا بفضل رؤية لم يرها سوى تيد تيرنر , ولولا هذا الرجل لكانت صناعة الأخبار متأخره كثيرا..

تيد, الذي وصفه الجميع بالمجنون والأحمق, وصل إلى كل بيت وإلى كل الدول, واختارته مجلة "التايم" التي كانت من أشد منتقديه 
" رجل العام لسنة 1992م . وكان يقول دائماً:" إذا كنت لا تستطيع أن تقوم بعمل ما بصورة ممتازه فلا تفعله من الأساس".

ويقول تيد متحدثا عن نفسه :" لقد كبرت وكبرت معي عقيدة عمل نقشت في وجداني طوال حياتي, تقول : لكي تكون ناجحا .. كن ناجحاً - ظل يراودني إحساس مريع بأنني لن أكون ناجحاً. لذلك توفي والدي حين كنت في الرابعة والعشرين , وقد كان هو حقاً الشخص الذي كنت أتوقع أن يكون الحكم, 
على ما إذا كنت ناجحاً أو لا . لذلك حين نشرت صورتي على مجلة " النجاح" Success , لوحت بها, وقلت: " أبي هل ترى؟ لقد أصبحت صورتي غلافاً لمجلة النجاح : هل هذا كاف؟." هل حقا هذا فعلا كاف لرجل لا يعرف حداً ؟... لا أعتقد .


الأيمان بالفكره هو الطريق نحو الثقة بالنفس . 
-الشعور بعدم الرضى وعدم الأمان هو نقص يدفع الإنسان للأنجاز والتحدي !
-مهما كان الإنسان ضال وبه عدت سلوكيات غير سويه لا تعني أبدا أنه 
غير قادر على الإنجاز والنجاح .. ولعل تيد تيرنر خير مثال للفتى الطائش
في أيام شبابه و الناجح في ذات الوقت !
- ليس بالضروة أن تكون قصة النجاح تبدأ بخطوات 1 2 3 .. ألخ , 
هناك نجاح يبدأ من 1 ويقفز حتى 10 , المهم الإيمان بالفكره والثقه بالنفس ..!
-الإلتفات لكلام الناس لن يصنع من الطموح شيئاً.
-المحاولة عن طريق المواجهه وخوض التجارب في شيء 
لا قِبل لشخص به يعد مخاطره وبنفس الوقت مدرسه يتعلم منها الشخص
المبادره والقوة, وتدفعه لتعلم التلقائي وهو أكثر إفاده وتنميه لشخصيه,
وأسرع أختصار لوقت التعلم ...

المصدر : كتاب عظماء بلا مدارس

قصة نجاح مؤسس شركة هونداي .. شونغ جو يونغ







قصة نجاح مؤسس شركة هونداي .. شونغ جو يونغ


ولد شونغ جو –يونغ في عام 1915 م من عائلة فقيرة جدا. كان أبوه مزارعا في قرية نائية في كوريا الجنوبية . ترك قريته واتجه حاملا أحلامه إلى سيئول. وكانت البداية عامل في بناء الورش وحمل الحجارة ونقل الطين. عانى شونغ جو من صعوبة لقمة العيش وأعطته هذه البداية دافعا ليقوي قدراته الشخصية ويكتسب صبرا وعزيمة على تحسين وضعه المهني والاجتماعي.

كان شخصا ايجابيا إلى ابعد الحدود ونشيطا, ويأخذ الأمور بمسؤولية وجدية كبيرتين.وفر شونغ جو-يونغ مبلغا من المال من خلال عمله الشاق , وهو لم يبلغ الثامنة عشر ة من عمره بعد.

بدأت الحرب العالمية ولم يعد لعمال البناء عمل في ظل حرب مدمرة وشرسة. لم ييأس شونغ جو-يونغ وعمل في ورشة لتصليح السيارات والشاحنات العسكرية وتعلم هذه الصنعة واستمر فيها إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية. بعد حوالي 5 سنوات من انتهاء الحرب افتتح شونغ جو-يونغ ورشة لتصليح السيارات وكان ذلك في عام 1946 وكان عمره حينها 32 عاما وبعدها بسنة وبسبب طموحه اللامحدود


أسس شركة للهندسة اسماها “هونداي” وهي كلمة كورية تعني ” الوقت الحاضر”.


 حققت الشركة نجاحا كبيرا و كانت أول شركة تفوز بعقود خارجية لبناء مشروعات خارج كوريا الجنوبية, ما أعطاها مكانة خاصة بين الشركات الأخرى, وأرسى قواعدها وبنيتها الأساسية .كما أسهمت الشركة بشكل أساسي في عملية البناء والاعمار بعد الحربي بين الكوريتين , والتي لم يفقد شونغ جو- يونغ خلالها الثقة في أن الأمور ستتحسن وتتطور , وان الوضع القائم هو وضع مرحلي وسيزول حتما.

من ميزات شونغ جو – أنه كان شخصا مقداما و مخاطرا من الدرجة الأولى.لذا بلغ حبه للمغامرة درجة المقامرة, وكان سببا أساسيا للنظر إلى خارج حدود كوريا والتوجه إلى بلاد لا يعرفها ليسوق أفكاره وخدماته.

كان دائم البحث عن الغريب والمميز.لذا ذهب بمشاريعه إلى مناطق محفوفة بالخطر ، وفي ظروف طبيعية صعبة للغاية كغابات جنوب شرقي آسيا وإلى مناطق ألاسكا . وعلى الرغم من مخاطرته ونظرته الدائمة إلى ما وراء الأفـق وزرع مشاريعه فيها، إلا أنه لم ينس بلاده كوريا . ويدين له الكوريون بالكثير ، حيث كان له دور مهم في بناء البنية التحتية لكوريا من جسور وطرقات ومصانع للطاقة النووية، وغيرها من المرافق الحياتية الأساسية الهامة .

بعد نجاح توسعات شركته ، افتتح شونغ جو- يونغ مصنع ( هيونداي) للسيارات العام 1967 ، وكان نشاطه في البداية تجميع سيارات فورد في كوريا .

شكلت بداية السبعينات نقلة نوعية لشركات هيونداي ،حيث استطاعت شركة هيونداي للمقاولات ومشروعات البناء أن تفوز بعقد قيمته مليار دولار لبناء ميناء في منطقة الجبيل في المملكة العربية السعودية .

استعملت الشركة قطعاً ومعدات كورية بغرض التوفير، كما أنها لم تدفع رسوم تأمين على ما يتم شحنه ونقله من كوريا، ما كان سيعرض الشركة لخسائر فادحة فيما لو تضررت المواد الأولية للبناء، وهذا ما يظهر نسبة مخاطرة


شونغ جو- يونغ وحبه للمغامرة .


وأثبت شونغ جو- يونغ أنه على صواب من خلال هذه المخاطرة . ولعبت هيونداي دورا ً بارزا ً في عملية البناء في الشرق الأوسط .اكتسبت شركات هيونداي ثقة دولية ، وحظي شونغ جو- يونغ باحترام الجميع ،وأثمر ذلك عن دعم الحكومة الكورية لشركاته ، ما ضاعف من مشاريعها ومن توسعها .

تابع شونغ جو- يونغ مغامراته التجارية والتصنيعية فبدأ العام 1973 بتأسيس أكبر مصانع لبناء السفن وترميمها، الرغم من أنه لم يكن لديه أدنى خبرة أو معرفة في بناء السفن . وقد نجح بسبب دعم الحكومة واليد العاملة الهائلة التي عملت من خلال مشاريعه ، وأيضا ً بسبب الطريقة الغريبة التي يفكر بها . وفي عام 1974 طرحت شركة هيونداي لبناء السفن وكان اسمها  Hyundai Heavy Industries  وأول مركب لها تحت اسم  Atlantic baron

ظهرت أول سيارة كورية عام 1975 وكانت من صنع “هيونداي”, وأسمها PONY , وما لبث أن توسعت أعمال الشركة , وخاصة على مستوى العمالة الكورية.

أسس شونغ جو-يونغ بعد هذا التوسع, شركة ” هيونداي” للالكترونيات عام 1983 , وكان نشاطها الأساسي تصنيع الكمبيوتر الشخصي وتطويره, ومرة أخرى , نراه يدخل مجالا جديدا لا يعرفه وينجح فيه.

كانت فلسفة شونغ جو-يونغ نابعة من قناعات راسخة , وهي أن الإنسان يجب أن يسعى دائما إلى تطوير حياته , وأحلى شعور هو إيجاد وظائف ومهن وعمل لآلاف الأشخاص يعيشون مناها ويسهمون في نهضة بلادهم.

كان تركيزه الدائم على الأبحاث والتطوير , وكان يؤمن بأن كل ما يستطيع الإنسان تخيله أو تصوره يستطيع أن يحققه.وأن تأخر هذا الأمر فهذا لا يعني أن يستسلم الإنسان لذلك وندب حظه.

يعتبر شونغ جو-يونغ رجلا اجتماعيا من الدرجة الأولى حيث يلعب أدوارا في جمعيات ولجان شعبية ورياضية, واسهم في تطويرها, كما أسهم بشكل فعال في نجاح اولمبياد سيؤول عام1988 , وكان من ضمن اللجنة المنظمة للاولمبياد.

كان أول كوري جنوبي مدني يقيم علاقات مع دول شيوعية منها موسكو, ولعب دورا مهما في بناء علاقات اقتصادية, وتجارية بين كوريا وهذه الدول.دفعه طموحه لترشيح نفسه لرئاسة كوريا عام 1993, بعدما أسس حزبا سياسيا عام 1992.وعلى الرغم من فشله في الوصول إلى كرسي الرئاسة إلا أن ترشيحه أسهم في طرح عدد من المشكلات الاقتصادية والتنموية.

المصدر كتاب : عظماء بلا مدارس