Pages

نجاح سعودي



نموذج سعودي مشرق لرجل عصامي مكافح , بدأ من الصفر وارتقى السلم بدون أن يسمح لليأس أن يتسلل إلى نفسه رغم قسوة الظروف من حوله.
تضطر الظروف الإنسان أحيانا للخروج إلى سوق العمل في سن مبكرة ، وهو ما يجعل البعض يتوقف عن التعليم , ويبدأ في خوض تجارب الحياة والتعلم منها بنفسه. وقليل ممن تضطرهم الظروف للعمل في سن صغير يحرصون على استمرار التعلم ، بل الإصرار على نيل أعلى الشهادات وتقلد أرقى الوظائف.
وهذا ما حدث مع الشاب محمد إبراهيم التويجري .
من مواليد الجبيل بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية عام 1946م ، عندما اضطرته الظروف الاجتماعية والاحتياج المادي إلى البحث عن عمل بعد حصوله على الشهادة الابتدائية.
فقد عمل التويجري وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة بمستودع بالسكة الحديد لمدة شهرين، ثم انتقل بعدها إلى العمل بعدة أعمال بسيطة ، حتى شغل وظيفة مراسل في أحد البنوك السعودية وهو في سن السادسة عشرة، حيث كان يتنقل بين إدارات البنك لتوصيل الأوراق بين الموظفين.
ثم بدأ استكمال دراسته من خلال فصول التعليم الليلي (محو الأمية) حتى حصل على شهادة المتوسطة (دبلوم التجارة) من مدارس الدمام التجارية المتوسطة
عام 1964م ، وانعكس ذلك على عمله ، حيث تدرج بالسلك الوظيفي للبنك الذي يعمل به، فقد انتقل من وظيفة مراسل إلى كاتب بريد ، ثم طابع على الآلة الكاتبة عربي ، حتى استطاع شغل وظيفة رئيس قسم الخدمات , وبعدها رئيس قسم الحسابات التجارية بنفس البنك عام 1965م .
خلال هذه الفترة نجح التويجري في تكوين مدخرات ، ساعدته في الحصول على بكالوريوس علوم من جامعة دنفر بالولايات المتحدة الأمريكية تخصص إدارة أعمال عام 1976م ثم ماجستير إدارة الأعمال من نفس الجامعة تخصص مالية عام 1979م ، والدكتوراه من جامعة ولاية أريزونا بالولايات المتحدة تخصص إدارة أعمال عام 1982م .
انتقل بعد ذلك الشاب السعودي للعمل بصفة أكاديمي متخصص في علم الإدارة ، فعمل أستاذًا مساعدًا لإدارة الأعمال ، ثم أستاذ إدارة الأعمال عام 1994 بأكاديمية الإدارة بالسعودية ، حتى استطاع شغل مدير المنظمة العربية العام للتنمية الإدارية التي مقرها القاهرة ، وهذه المنظمة هي إحدى المنظمات المتخصصة المنبثقة من جامعة الدول العربية.
شخص مكافح شق الصخر بيديه ؛ فاستحق ما وصل إليه بجداره.
طرد اليأس من قاموس حياته ؛ فأصبحت قصة كفاحه وسامًا يتلألأ على صدره يروي لنا حكاية الإرادة حين تتحدى اليأس!
الدكتور محمد إبراهيم التويجري كان قويًا ؛ لأنه آمن بربه ثم اعتمد على نفسه في صعود سلالم المجد رغم وعورتها , فهو لم يرض عن العلا بديلاً , فكان له ما أراد بعون ربه!



المصدر : كتاب هكذا هزموا اليأس

إمبراطور العود السعودي



في عالم العطور الشرقية وبالأخص ما يطلق عليه البعض البخور أو (العود) برز اسم الشيخ – عبد العزيز الجاسر، كأحد رواد هذه التجارة التي تلقى إقبالاً كبيرا من قبل الأفراد في دول مجلس التعاون الخليجي بالذات، فلا يكاد يوجد منزل إلا ويوجد البخور أو العود فيه.
الشيخ عبد العزيز الجاسر رجل عرف بتجارة العود إذ بدأها من حيث انتهى الآخرون فأوصلها لشعوب العالم.... فبعد أن افتتح الفرع رقم (300) من سلسلة فروعة المنتشرة في أكثر من خمس وعشرين دولة، يستعد الآن لافتتاح فرع جديد يتوسط جادة الشانزليزيه في باريس بعد أن دشن فرع لندن في شارع أكسفورد الشهير.
وتطمح الشركة خلال الخمس السنوات القادمة للوصول إلى الألف فرع في مختلف دول العالم، فخططها الآن تحمل اسم (خطة الألف فرع).
من هو عبد العزيز الجاسر..؟
لم يتبادر لذهن (إمبراطور العود) في المنطقة العربية، كما يحلو للبعض أن يطلق عليه، أن هوايته المفضلة التي أحبها وعشقها في زمن الصبا ستقوده ليصبح واحدا من أشهر تجار هذا النشاط على مستوى المنطقة فبداية اهتمامه بتجارة العود
كانت أثناء دراسته بالصف الثاني الثانوي، فقد كان الأقرباء والأصدقاء يكلفونه بشراء العود للمناسبات، وبعد ذلك استمع لنصيحة أحد الأصدقاء وافتتح أول محل للعود في حي الملز وكان ذلك في أول سنة له في المرحلة الجامعية، أي في حدود عام 1400هـ وكانت مساحته لا تتجاوز العشرين متر مربع آنذاك.
ولد عبد العزيز الجاسر في الرياض عام 1960م وتعلم في مدارسها من المرحلة الإبتدائية وحتى المرحلة الجامعية ومن ثم أكمل دراساته العليا في علم الإقتصاد، ولم يكن لديه اهتمام تجاري منذ نشأته وحتى عندما كان طالبا في مراحل التعليم العام، حيث كان قارئا نهما مهتما بجانب التحصيل العلمي، إلا أن اشتداد ولعه باقتناء العود جعله يتردد كثيرا على المحلات المتخصصة في بيعه، وفي هذه الأثناء، أي في المرحلة الثانية، بدأ الجاسر يمارس تجارة العود بشكل محدود في دائرة الأصدقاء والمعارف حيث أكسبته هذه التجربة الصغيرة خبرة في التعامل مع العود بأنواعه بعد أن لمس بنفسه أن هذا المنتج الثمين فيه ما فيه من غش وأن تجارته تحتاج إلى كثير من الخبرة والمعرفة بأنواعه وكيفية الحصول عليه.
فقرر أن يدخل إلى هذا العالم من خلال محل صغير بالرياض لم تتعد كلفته 5 آلاف ريال وانطلق الجاسر في هذه التجارة في نفس الوقت الذي كان يعمل فيه مدرسا بإحدى المدارس الثانوية بالرياض، ولكن توسع وتطور نشاطه التجاري بسرعة متناهية حال دون استمراره في مهنة التدريس التي أحبها فاضطر مكرها أن يقدم استقالته رغم معارضة أهله وأصدقائه الذين كانوا يرون أن استقالته من عمل حكومي فيه نوع من المخاطرة، وخلال فترة وجيزة حقق الجاسر نجاحات كبيرة في مجال تجارة العود، حيث أصبح المحل اثنين فثلاثة إلى أن بلغ عدد فروعه الآن (بعد 25 عاما من التأسيس) 365 فرعا منتشرة في مختلف مناطق البلاد إضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي وبريطانيا وباريس ثم واشنطن في المرحلة المقبلة، وذلك ضمن خطة خمسية تهدف لافتتاح ألف فرع للشركة على مستوى العالم، على أن يكون للشركة فرع في كل عاصمة في بلدان العالم المختلفة.
بدأ هذا الرجل نشاطه بمحل لا تتجاوز مساحته (20) متر مربع ولأنه كان مؤمنا بقدراته بإذن الله فقد استقال من عمله ليحقق طموحه الذي سعى وراءه وها هو اليوم وخلال ربع قرن فقط يقود أكبر شركة عطور في الشرق الأوسط.
*فهل تبدأ أنت الآن في تحقيق حلمك رغم المجازفات!


المصدر : كتاب هكذا هزموا اليأس


الجندي السعودي الذي أصبح دكتورًا



ولد عام 1354 في ظهرة آل بريد بمحافظة رجال ألمع بعسير وكأي طفل عادي نشأ هذا الفتى في تلك المنطقة الجميلة ذات الروابي والمروج الخضراء يسرح بين هديل الحمام وصدح البلابل.
كانت طفولته تنحصر في رعي قطيع من الأغنام يملكه والده في ذلك الوقت, ولأن الظروف يومئذ لم تكن قد تهيأت لانتشار التعليم بصورة واسعة؛ فقد دخل صاحبنا في كتاتيب القرية وتعلم من خلالها جزء عم وتبارك ومبادئ القراءة والكتابة واكتفى بهذا القدر, حتى سافر إلى الجندية عام 1370.
حين تسلم عمله كجندي لم يكن مستواه التعليمي يتعدى الأول الابتدائي.
وهو عصارة علمه الذي تلقاه في كتاتيب القرية, لكن نفسه ظلت تهفو إلى العلم وتتوق إليه رغم عمله في ذلك الوقت, ولأنه أدرك أن المطالب لا تدرك بمجرد هوى أو عاطفة, بل لا بد من بذل الأسباب والتضحيات في سبيلها...


وما نيل المطالب بالتمني



ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

فقد عرض على والده رغبته الحقيقية في طلب العلم وأبدى استعداده للجمع بين أعمال الجندية وبين الدراسة وكان اختيارًا شاقًا ولكنه رغم ذلك وجد فيه لذة عارمة؛لأن فيه تحقيقًا لحلمه وتحديًا لذاته الطامحة نحو العلا... وقد كان أحيانًا في فترة مناوبته ليلاً يحمل كتبه للاستذكار تحت ضوء الفوانيس في الأسواق مغالبًا نوبات النعاس اللذيذة التي كانت تهجم عليه من شدة الإرهاق نتيجة الجمع بين الجندية والاستذكار.
في عام 1376 اتخذ صاحبنا قرارًا جريئًا كان بمثابة منحى جديد في حياته ألا وهو الاستقالة من الجندية والتفرغ تمامًا للدراسة.
وإذا كانت النفوس كبارا



تعبت في مرادها الأجسام

سافر إلى المعهد العلمي في شقراء على ظهر سيارة محروقات (وايت) وانتظم في دراسته رغم الغربة والبعد عن الأهل والأحباب.
تخرج من معهدها بتفوق والتحق بكلية الشريعة بالرياض عام 1382, ولأن الفرص تبحث دومًا عمن يستحقها؛ فقد وقع الاختيار عليه ليكون مدرسًا في معهد أبها العلمي رغم أنه كان ما يزال في السنة الثانية بكلية الشريعة بالرياض حمل صاحبنا كتبه ومذكراته حيث واصل التدريس والدراسة في آن واحد, حيث كان يقوم بتحضير الدروس للطلاب وتصحيح الدفاتر والواجبات, فإذا انتهى قام بمذاكرة دروسه الخاصة.
كما أنه عمل مديرًا لمعهد نجران بعد ذلك، وبعد أن حصل على الشهادة الجامعية من الرياض, رغب بمواصلة دراسته العليا فتقدم بطلب إلى جامعة الأزهر لمواصلة الدراسة في كلية أصول الدين فحصل على الماجستير والدكتوراة وعاد إلى الوطن عام 1393 بعد أن حقق حلمه ونهل من أنهار العلم التي كانت نفسه عطشى إليها.
تم تعيينه أستاذًا في كلية الشريعة في مجال تخصصه في التفسير وعلوم القرآن, وفي نفس الوقت اتجه إلى التأليف لأن مشاعر المسلم الحقيقي كانت تجيش في نفسه؛ بسبب الحوادث والفواجع التي أصابت المسلمين.
تم اختياره لمنصب عميد شؤون المكتبات في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ثم عميدًا لكلية الشريعة وأصول الدين بأبها وعضوًا بمجلس الشورى.
ألف العديد من الكتب وألقى العديد من المحاضرات والندوات والأمسيات الشعرية واللقاءات الإسلامية والأدبية سواء داخل المملكة أو خارجها, كما قام بتأليف اثني عشر كتابًا ما بين دراسة علمية وديوان شعر وسيرة ذاتية.
جنديًا كان في الثانية والعشرين من عمره حين بدأ بتحقيق حلمه رغم كل الصعوبات في طريقه لم يتوقف حين بدأ؛ لأنه لم يبدأ إلا لأنه آمن بأنه لن يتوقف مهما كانت الصعوبات!
بعد عن الأهل.. بداية متأخرة في العلم.. جمع بين التدريس والدراسة... صعوبات مالية.. سفر إلى بلاد غريبة...!
كلها مجتمعة لم تثن صاحبنا عن تحقيق حلمه الذي حلق به من جندي إلى دكتور!
إنه الدكتور/ زاهر بن عواض الألمعي الأديب السعودي والأكاديمي المعروف!
*أتمنى أن تمنح هذه القصة شيئًا من الإلهام والحماس للشباب اليائس رغم توفر كل الظروف من حوله!



المصدر : كتاب هكذا هزموا اليأس

العبد الحبشي الذي حكم مصر



دخل الإخشيدي – الذي حكم مصر أيام عهد المماليك – مع صاحب له مقيد بالحديد ، فمرا على رجل له شوي ( أي مطعم بذلك الزمان ) فقال لصاحبه : أتمنى أن يشتريني صاحب هذا الشوي فأشبع لحما ، وقال الإخشيدي : أتمنى أن أحكم مصر بأكملها... ودارت الأيام واشترى صاحب الشوي ذلك المملوك ، وحكم الإخشيدي مصر في قصة طويلة معروفة بالتاريخ .

من هو الاخشيدي :
هو أبو المسك كافور الإخشيدي لقبه الليثي السوري (292 - 357 هـ / 905 - 968 م) كان من رقيق الحبشة وأصبح أحد حكام الدولة الإخشيدية في مصر وسوريا ، كان الحاكم الفعلي لمصر منذ 946 بعد وفاة محمد بن طغج وأصبح كافور سنة 966 م واليا على مصر حيث حكمها ثم توسع إلى بلاد الشام دام حكمه لمدة 23 عاما وهو صاحب الفضل في بقاء الدولة الإخشيدية في مصر.

حياته :
اشتراه في عام 923 محمد بن طغج مؤسس الأسرة الإخشيدية كأحد الرقيق من الحبشة ، وكان مخصي وأسود اللون ، ولم يكن كافور علي سواده وسيماً بل كان دميماً قبيح الشكل مثقوب الشفة السفلي مشوه القدمين بطيئاً ثقيل القدم ، فوقع في يد أحد تجار الزيوت فسخره في شئون شتي . وقاسئ كافور الأمرين ولقي الكثير من العنت من سيده. حتى إذا خرج من تحت قبضة سيده ووقع في يد محمود بن وهب بن عباس الكاتب ، فعرف كافور السبيل نحو القراءة والكتابة فنفض يديه متاعب المعصرة وأدران الزيت فالسيد الجديد ابن عباس الكاتب هذا كان موصولاً بمحمد بن طغج ويعرفه منذ كان قائداً من قادة تكين (أمير مصر وقتها) وقبل أن يصبح ابن طغج علي حكم مصر. حمل كافور هدية من مولاه إلي ابن طغج ، عينه الإخشيد كمشرف على التعاليم الأميرية لأبنائه ، ورشحه كضابط في الجيش.
كان يفضل البقاء والإخلاص لسيده ليس طمعا في إرثه أو هداياه كما فعل بقية الناس  وعندما انتبه سيده لذكائه وموهبته وإخلاصه جعله حرا وأطلق سراحه. أرسل كافور كقائد عسكري في عام 945 لسوريا ، كما أرسل ليقود حملات أخرى في الحجاز ، كما أن له خلفية بالترتيبات والشؤون الدبلوماسية بين الخليفة في بغداد والأمراء الإخشيديين.
أصبح الحاكم الفعلي لمصر منذ 946 بعد وفاة محمد بن طغج (كوصي على العرش) وتوفي في القاهرة كما أنه دفن في القدس. بالرغم من أن المؤرخين وصفوه بأنه حاكم عادل ومعتدل ، إلا أن شهرته ارتبطت بالقصائد الساخرة الموجهة ضده من قبل المتنبي الشاعر الأكثر شهرة عربيا.
لم يمنعه الرق الارتقاء في السلطة وحكم مصر وأجزاء من سوريا بل ساعدته في الانخراط في السلك العسكري وتميزه فيه ، وكانت كمثال على أن التاريخ الإسلامي والدول الإسلامية بصورة عامة لا توجد بها عنصرية ويمكن لأي فرد عادي بغض النظر عن أصله أن يرتقي بالسلطة وأن ينخرط في جميع المجالات فحافظت على تماسك الثقافة والتفاعل بين الأفراد المختلفين.
اكتسب شعبية بين العلماء والأدباء ويجد راحته مع العلماء والشعراء. وكان يحيط نفسه برجال الدين وأكرمهم بالكثير من الهدايا. وعرف برعاية المهرجانات وقام المتنبي أحد أشهر الشعراء المعاصرين له بمدحه ، ومع ذلك لم يكافئه أبو المسك بمنصب رفيع ولم يمنحه الهدايا المنشودة فسخر منه وهجاه ، وكان من أشهر أبيات الشعر التي هجا بها المتنبي كافورا:
لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيد


ارتبط بزوغ كافور في الدولة الإخشيدية بالظروف السياسية لهذه الدولة ، فقد استطاع أن يدير دفة الدولة عقب وفاة محمد بن طغج الإخشيد ، حيث إن أنوجور (محمود) بن محمد بن طغج كان لا يزال صبيًا في الخامسة عشرة من عمره ، ويروي أن كافور لم يكن ليتيح لأونوجور هذا الفرصة كي يمرن نفسه علي الحكم فيفيد منه ولم يكن ليدعه يظهر للناس حتى لا يعرفونه ، أفل نجم أونوجور سريعاً ليسطع نجم كافور الذي دعا له الخطباء علي المنابر دون أونوجور ، في الوقت الذي كان ينال فيه أونوجور ما خصصه له كافور من مال بلغ أربعمائة ألف دينار في العام.
وآلت الأمور لكافور الذي ملك السلطة والمال في يده ، وضاق الأمر بأونوجور وقتها فترك العاصمة وادعي بأنه سيخرج للهو والصيد ، فاتجه إلي ناحية الرملة بأرض [فلسطين] ليمكن نفسه ويجمع شتات من حوله ومن هم برمون بأبي المسك ، وفي قرارة نفسه ونيته انتزاع ما سُلب من ملكه ، ولكن أماً لأونوجور كانت أبصر من ابنها رأت بأن الضجر بكافور لم ينته إلي قلوب كثيرة من ذوي النفوذ ، والجند علي الدوام رهن بأرزاقهم يعطون قلوبهم حيث يضمنونها، ورأت أن مافي خزائن ابنها لا يكفي فهو شيء قليل لا يكاد أن يكفي ماهم طامعون فيه ، فحذرت ابنها من مغبة الهزيمة ، ورأت في الوقوف إلي جانب أبي المسك مزية ومكسباً لأسرتها ، وهنا نجد أن كافور قد تنازل عن جانب من كبريائه وبطيب خاطر كتب لأونوجور يسترضيه ويمنيه ، ولكن الملك الصغير كان قد نسي مسألة الملك هذه وقنع بما يصله من دريهمات ، وهنا أصبحت الأمور جادة وبقي كل شيء في يدي أبي المسك من جديد ، وظل الأمر هكذا حيث مات أونوجور عن عمر يناهز الثلاثين عاماً وذلك في سنة تسع وأربعين ومائتين من الهجرة عاش منها كافور في ظل أونوجور سلطاناً حقيقياً ممسكاً بكل مقاليد الحكم مدة أربعة عشرة عاماً ، وقيل أن كافور دس له السم ليستريح منه وليزيحه من طريقه ، فتولي من بعده أخوه علي بن الإخشيد الذي كانت نفسه تمتلئ رعباً من سطوة كافور وشدة بأسه ، وكافور يعطي لعلي بن الأخشيد مثلما كان يعطيه شقيقه أونوجور في السابق ، ولكن السلطة التي قبض عليها كافور بشدة جعلته يُضيق الخناق عليه فلم يتركه يظهر للشعب مما جعل الصبي ينحدر إلي حياة اللهو والدعة ثم اتجه للانقطاع للعبادة يجد فيها سلواه ، حتي إذا أرهقته العبادة شمر عن ساعديه ليبحث عن حقه المسلوب يطلبه ، فما كان من كافور إلا أن عجل بموته بعد أن دس له السم أيضاً.
ولم يحصل كافور على تفويض من قبل الخلافة العباسية. بيد أنه لم يواجه اعتراضًا من قبلها ، وكان يلقب بالأستاذ ، ويكنى بأبي المسك ، وكانت السياسة الخارجية لكافور استمرارًا لسياسة محمد بن طغج الإخشيد في الحفاظ على علاقة متوازنة مع كل من العباسيين والفاطميين.
وبصفة عامة ، فقد كان قريبًا من قلوب المصريين لكونه سخيًا كريمًا ؛ وينظر بنفسه في قضاء حوائج الناس والفصل في مظالمهم ، وفي عهده اتسع نشاط دعاة الفاطميين في مصر.
كافور والمتنبي :
شغل أبا المسك كافور دولة بني الإخشيد قرابة واحداً وعشرين سنة أو تزيد كانت هذه الدولة قد دام حكمها لمصر مدة أربعاً وثلاثين عاماً ، عاش كافور يدبر أمور الحكم في الدولة مع مولاه ، حتي قيل ان هذه الدولة ماحكمت بقدر ما كان الحكم فيها لكافور ذاته ، بل ويمكن القول أن دولة بني الإخشيد هي التي سوت الطريق وجعلته ممهداَ ليفتح سبيل حكم مصر أمام هذا الرجل ، الذي ملأ مكانه كما لم يملأه أحد من قبله ، حتي أنه شغل شعرائها فنجد شاعراً بقامة أبي الطيب المتنبي مدح كافور فأنصفه ، وحين انقلب عليه وهجاه لم ينصفه ، فحين مات كافور ودُفن بالقدس بعد أن حُمل جثمانه إلي هناك وجد مكتوباً علي شاهده شعراً للمتنبي قال فيه :
مابال قبرك ياكافور منفرداً ** بالصّحصح المرت بعد العسكر اللجب
يدوس قبرك أحاد الرجال وقد ** كانت أسود الشري تخشاك في الكتب
وكان من أشهر أبيات الشعر التي هجا بها المتنبي كافورا:
نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَنْ ثَعَالِبِها *** فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ
صَارَ الخَصِيّ إمَامَ الآبِقِينَ بِهــَا *** فالحُرّ مُسْتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُودُ
                   لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ *** إنّ العَبيدَ لأنْــــــجَاسٌ مَنَاكِيدُ
  مَنْ عَلّمَ الأسْوَدَ المَخصِيّ مكرُمَةً *** أقَوْمُهُ البِيضُ أمْ آبَاؤهُ الصِّيدُ
 أمْ أُذْنُهُ في يَدِ النّخّاسِ دامِيَــــةً *** أمْ قَدْرُهُ وَهْوَ بالفِلْسَينِ مَرْدودُ
   أوْلى اللّئَامِ كُــــوَيْفِيرٌ بمَعْذِرَةٍ *** في كلّ لُؤمٍ، وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ

  وَذاكَ أنّ الفُحُولَ البِيضَ عاجِزَة *** عنِ الجَميلِ فكَيفَ الخِصْيةُ السّودُ؟

من كاتب بدكان صغير .. الى حاكم للأندلس





من كاتب بدكان صغير .. الى حاكم للأندلس

قدم محمد بن أبي عامر إلى قرطبة شابًا لطلب العلم والأدب والحديث ، فدرس الأدب على يدي أبي علي البغدادي وأبي بكر بن القوطية ، والحديث على يدي أبي بكر بن معاوية القرشي راوي النسائي
ثم بدأ حياته بأن افتتح دكانًا أمام قصر الخليفة يكتب فيه الرسائل والعرائض لأصحاب المصالح ، فلفت نظر من في القصر بأسلوب كتابته وبجزالة عباراته.
طُلب ابن أبي عامر من القصر للالتحاق بخدمة الخليفة الحكم المستنصر بالله عندما رشحه الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي ليكون وكيلاً لعبد الرحمن أول أولاد الخليفة ، وهو ما عينه عليه الخليفة بموافقة من أم عبد الرحمن صبح البشكنجية ، فعُيّن لذلك في 9 ربيع الأول 356 هـ ، ثم ولاّه دار السكة في 13 شوال 356 هـ ، ثم ولي خطة المواريث في 7 محرم 358 هـ ، فقاضيًا على أشبيلية ولبله وأعمالهما في 12 ذي الحجة 358 هـ. وبعد وفاة عبد الرحمن صغيرًا ، بقي في خدمة أم الخليفة إلى أن أنجبت ولدها الثاني هشام ، فأصبح وكيلاً لهشام في 4 رمضان 359 هـ. وفي جمادى الآخرة 361 هـ ، جعله الخليفة الحكم على الشرطة الوسطى ، ثم أنفذه إلى المغرب في شوال 362 هـ ، بأموال كثيرة إلى المغرب لاستمالة زعماء البربر إلى جانب الخلافة ، ثم أرسل مرسومه بتوليته قاضية لقضاة عدوة المغربثم أسند إليه النظر على الحشم وهو في مرض موته .
في فترة خدمته لصبح البشكنجية ، لجأ ابن أبي عامر إلى استمالتها بحُسن خدمتها وإتحافها بالهدايا ، والتي كان أشهرها نموذجًا مبهرًا لقصر من الفضة أنفق عليه قدرًا كبيرًا من المال ، وأهداه إليها في الفترة التي ولي فيها دار السكة. أثار ذلك عددًا من رجال الدولة الذين رأوا في صعوده في المناصب ما يقلقهم ، فسعوا لدى الخليفة يتهمون ابن أبي عامر بالإنفاق من مال السكة ، فأمر الخليفة بالتحقق من ذلك ، وكان ابن أبي عامر قد أنفق منه بالفعل ، فلجأ إلى صديقه الوزير ابن حُدير ليقرضه ما نقص من أموال السكة ، فأقرضه ابن حدير من المال ما أتم ابن أبي عامر به ما لديه من عجز.

بعد وفاة الخليفة الحكم المستنصر بالله  ، كان لدى الصقالبة أو الموالي في قصر الخلافة خطة تهدف إلى تنحية وليّ العهد الصبي هشام ، وتولية عمه المغيرة بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بدلاً منه. وفي سبيلهم لتنفيذ ذلك ، استدعى زعماؤهم الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي وأنبئوه بخبر وفاة الخليفة ، ومخططهما بتولية المغيرة .
تظاهر المصحفي بموافقتهم ، وعمل من جانب آخر على إفشال ذاك المخطط خشية أن يزيد نفوذ الصقالبة او الموالي في القصر. انصرف المصحفي من القصر، وقرر مع عدد من كبار رجال الدولة وزعماء البربر من بني برزال ، ضرورة التحرك السريع لإفشال هذا المخطط ، وكان القرار يقتضي قتل المغيرة بن عبد الرحمن نفسه لقطع السبيل أمام مخطط الصقالبة . تولى محمد بن أبي عامر في جماعة من الرجال بتنفيذ ذلك القرار ، لينتهي الأمر بقتل مرشح الصقالبة او الموالي ، وتنصيب ولي العهد هشام خلفًا لأبيه.
بعد أن فشل مخطط الصقالبة او الموالي ، دبت الوحشة بين الحاجب المصحفي والصقالبة ، الذين بدءوا في كيد المؤامرات ضده ، فلجأ جعفر إلى تقسيمهم ، فكان نصيب ابن أبي عامر منهم خمسمائة فتى ، ولكي يستميلهم،  أغدق ابن أبي عامر عليهم وأجزل لهم العطاء ، فأحبوه واستقوى هو بهم ، ثم ما لبث أن انضم إليه بنو برزال وهم من زعماء البربر وصاروا تحت قيادته، فاشتدّت بهم قوته.
لم تمض أشهر على خلافة المؤيد بالله ، حتى هاجمت الممالك المسيحية أراضي المسلمين في الشمال ، فأشار ابن أبي عامر على المصحفي بتجهيز جيش لمنازلتهم ، وعرض جعفر على أكابر الدولة قيادته فرفضوا ، فوجدها ابن أبي عامر فرصة مناسبة ليضم إليه قيادة الجيش ، فجهزه المصحفي بمائة ألف دينار لتلك المهمة. وفي 3 رجب 366 هـ، خرج ابن أبي عامر في جيشه مهاجمًا أراضي جليقية  ، فحاصر حصن الحامة  ، ثم عاد إلى قرطبة بعد 53 يومًا محملاً بالسبي والغنائم ، مما عزز من مكانته داخل الدولة ليعزز أمام الشعب قدراته العسكرية إضافة إلى ما عرفوه من قدراته الإدارية.
بعد عودته إلى قرطبة ، بدأ محمد بن أبي عامر في التخطيط لإزاحة الحاجب جعفر المصحفي من طريقه إلى قمة السلطة ، فاستغل سوء العلاقات بين جعفر المصحفي وغالب الناصري صاحب مدينة سالم بسبب اتهام جعفر لغالب بالتقصير في الدفاع عن الحدود الشمالية أمام حملة الممالك المسيحية في الشمال على حدود الدولة بعد وفاة الخليفة ، كما استغل حسن علاقته بصبح أم الخليفة التي كانت تساعده على إنفاذ ما بدا له من مراسيم باسم الخليفة ، حتى ذهب البعض إلى زواج ابن أبي عامر من أم الخليفة في السر.
وفي يوم الفطر عام 366 هـ، خرج محمد بن أبي عامر في جيشه والتقى جيش غالب في مجريط  ، ثم افتتحا معًا حصن موله وغنما فيها الكثير، إلا أن غالبًا تنازل عن مغانمه لابن أبي عامر بل وبعث للخليفة ينبأه بحسن تدبير ابن أبي عامر في تلك الحملة ، مما أعلى من أسهم ابن أبي عامر لدى القصر والعامة على حد سواء. ثم أقنع محمد بن أبي عامر حليفته صبح أم الخليفة ، باستصدار مرسوم خلافي من ابنها بعزل محمد بن جعفر المصحفي كحاكم لقرطبة ، وتولية محمد بن أبي عامر حاكمًا على قرطبة بالإضافة إلى منصبه كقائد لجيش المدينة
لجأ جعفر لوسيلة يوقف بها هذا التحالف بين غريميه غالب وابن أبي عامر ، بأن طلب يد أسماء بنت غالب للزواج من ابنه محمد بن جعفر، وهو ما أسرع ابن أبي عامر لإفشاله بأن طلب أسماء لنفسه ، وهو ما وافق هوى غالب فأنكحها ابن أبي عامر.
وفي صفر 367 هـ، خرج ابن أبي عامر في غزوة جديدة فاجتمع بصهره غالب في طليطله وهاجما شلمنقة  وعادا سويًا من تلك الحملة إلى قرطبة بالغنائم حيث تم زفاف أسماء إلى ابن أبي عامر من قصر الخلافة ، وأصدر الخليفة أمره برفع القائد غالب لرتبة الحجابة بالمشاركة مع الحاجب جعفر المصحفي ، وهو ما عدّه جعفر انتقاصًا من سلطته.
 وفي 13 شعبان 367 هـ ، كانت نكبة الخليفة جعفر المصحفي بأن أصدر مرسومه بإقالة الحاجب جعفر المصحفي ، وسجنه هو وأبنائه وأقاربه ومصادرة أموالهم . شدد ابن أبي عامر في التنكيل بجعفر المصحفي ونكايته حتى أنه كان يحمله معه مكبلاً في غزواته ، ثم زجه في السجن ، فظلّ في محبسه في الزهراء لأعوام إلى أن مات مسمومًا وقيل مخنوقًا في محبسه عام 372 هـ ، وأسلم إلى أهله وهو في أقبح صورة .
بعد أن تخلّص ابن أبي عامر من جعفر المصحفي ، جعل ابن أبي عامر همّه التخلّص من صهره غالب لينفرد وحده بالسلطة. أدرك غالب ما يضمره صهره ، فداهنه ودعاه وهو عائد من إحدى حملاته على قشتالة إلى وليمة فيأنتيسة إحدى مدن الثغر الأدنى ، ودبّر له مكيده كادت تودي بحياة ابن أبي عامر، إلا أنه نجا بعد أن أصيب إصابة خفيفة. غادر ابن أبي عامر إلى قرطبة وهو ينوي التجهيز لقتال غالب ، الذي استعان بقوات راميرو الثالث ملك ليون ، ثم اقتتلت قوات غالب ومحمد بن أبي عامر في معركة شنت بجنت التي كادت أن تنتهي بانتصار قوات غالب ، لولا سقوطه صريعًا من على جواده في 4 محرم 371 هـ/9 أغسطس 981 م، وحُملت رأسه لابن أبي عامر.
 بقي أمام ابن أبي عامر خطوة أخرى ، وهي عزل الخليفة الشرعي نفسه ، فأشاع بين الناس أن الخليفة فوّضه إدارة البلاد لتفرغه للعبادة ، ثم أحاط قصر الخليفة بسور وخندق ، ووضع عليه الحرّاس ومنع الخليفة من الظهور.
 أدركت صبح التهديد المحدق بعرش ابنها ، غير أنه بعد أن تمكن محمد بن أبي عامر من كل السلطات ، لم يعد في قدرة صبح مواجهته مباشرة ، فأشاعت بين العامة أن المنصور يسجن الخليفة ويحكم رغمًا عنه ويغتصب سلطته . 
ثم راسلت زيري بن عطية حاكم المغرب لنصرة ولدها ، وأرسلت أموالا اليه ليجهز جيشه ويعبر إلى الأندلسعلم المنصور بذلك المخطط ، فلجأ أولاً إلى رفع يدها عن أموال خزائن قصر الخليفة التي كانت تقوم بتهريبها بواسطة فتيانها ، فأرسل ابن أبي عامر ابنه عبد الملك بقوة وجمع من العلماء والوزراء إلى قصر الخلافة بقرطبة ، وخاطب الخليفة هشام في أمر الأموال التي تهربها والدته ، وطلب أن تنقل كل الأموال من قصر الزهراء إلى قصر الزاهرة ، فلم يمتنع.
 وبعد أن جفت الأموال من بين يدي صبح ، يأست من قدرتها على استرجاع سلطة ابنها ، فاعتزلت الحياة حتى وفاتها حوالي عام 390 هـ.
وفي عام 371 هـ، تسمّى محمد بن أبي عامر بلقب "المنصور"، ودُعي له به على المنابر. 
وفي عام 379 هـ، تعاون عبد الرحمن بن المطرف التجيبي  صاحب سرقسطة  مع عبد الله بن الحاجب المنصور على الانقلاب على المنصور على أن يُقسّما الملك بينهما فتكون الثغور لعبد الرحمن والبقية لعبد الله ، إلا أن المنصور علم بما يدبرانه ، فدبّر مكيدة لعبد الرحمن قُتل على إثرها في 12 ربيع الأول 379 هـ ، وحبس ابنه الذي استطاع أن يفر من محبسه ، ولجأ إلى غارسيا فرنانديث كونت قشتالة ، فغزاه المنصور وطالبه بابنه فرفض غارسيا ، فهزمه واجتاح المنصور ألبة  ، واستولى على وخشمة  ، فاضطر غارسيا لمفاوضة المنصور وقبول شرطه بتسليم ابنه عبد الله ، ثم دسّ المنصور على ابنه من قتله وذلك 14 جمادى الآخرة 380 هـ، ثم بعث المنصور برأس ابنه وكتاب الفتح إلى الخليفة ، فازدادت رهبة الناس من المنصور بقتله ابنه. 
وفي عام 381 هـ، قدّم المنصور ابنه عبد الملك للولاية ، ونزل له عن لقب الحجابة ، كما استوزر ابنه عبد الرحمن

وصفه ابن الأثير قائلاً: «وكان شجاعًا ، قوي النفس ، حسن التدبير ، وكان محبًا للعلماء ، يُكثر مجالستهم ويناظرهم ، وقد أكثر العلماء ذكر مناقبه ، وصنّفوا لها تصانيف كثيرة[68] وقال عنه ابن خلدونوكان ذا عقل ورأي وشجاعة ، وبصر بالحروب ، ودين متين»[69] وقال عنه ابن الخطيب: «وكان مهيبًا وقورًا ، فإذا خلا كان أحسن الناس مجلسًا ، وأبرّهم بمن يحضر منادمًا ومؤانسًا. وكان شديد القلق من التبسط عليه ، والدالة والامتنان ، لا يغفرها زلة ، ولا يحلم عنها جريرة ، ولم يكن يسامح في نقصان الهيبة ، وحفظ الطاعة أحدًا من ولدٍ ولا ذي خاصة ، دعاه ذلك إلى قتل ولده عبد الله بالسيف صبرًا بما هو معروف


المصدر  

wikipedia

قاهر مرض السرطان



قاهر مرض  السرطان

حين رقد أنتوني برجيز على أرضية الصف الذي كان يعمل فيه كأستاذ ومدرس ، علم وقتها أنه نال كفايته من هذه الوظيفة ، وأن الوقت حان ليتابع ما يهوى عمله ، وهو ظن وقتها أن هذا كان سبب استمراره في الرقود على الأرض ، بعدما أًصابه الدوار وسقط.
جاء التشخيص الأولي من الأطباء أن أنتوني مصاب بورم خبيث ، سيترك له على الأرجح قرابة العام أو أقل ليعيش . لم يكن أنتوني في بحبوحة من العيش ، رغم أنه زار قسماً كبيرًا من البلاد والأقطار ، ولذا جلس يفكر فيما سيتركه لزوجته – زميلة دراسته الجامعية – من بعده ، ولم يجد أنتوني حلاً أفضل من أن يجلس ويكتب ويؤلف روايته وقصصه لتستفيد هي من ريعها بعد موته. لقد كان عمره وقتها 43 سنة.
حين انتهت مهلة العام ، كان أنتوني قد انتهى من تأليف خمس قصص ونصف ، لكن أنتوني لم يمت! لقد ضمر الورم حتى اختفى ، وتحول الأطباء للظن بأن تشخيص أنتوني كان خاطئًاحتى وفاة أنتوني عن 76 عامًا ، كان قد ألف أكثر من 70 قصة ورواية، ونشر ما لا يحصى من المقالات الصحفية ، بأسماء كثيرة مختلفة ومستعارة ، ما جعل حصرها صعبًا.
كان ميلاد أنتوني في عام 1917 في مدينة مانشستر الإنجليزية ، لأب يعمل كصراف ،  وكعازف بيانو في أوقات الفراغ. قضت أم أنتوني بعد ميلاده بعامين في وباء الأنفلونزا في عام 1919، فتولت قريبة له تربيته ، ومن بعدها زوجة أبيه.
اشتهر أنتوني بأنه علم نفسه بنفسه، و تمحورت دراسته الجامعية التي بدأها عام 1937 في جامعة فيكتوريا بمانشستر حول اللغة الإنجليزية وآدابها ، وهو تخرج منها في عام 1940. الطريف والعجيب في الأمر ، أن رغبة أنتوني الأولى كانت دراسة الموسيقى، لكن درجاته المتدنية في الرياضيات (والتي كانت مطلباً أساسيًا وقتها) حالت بينه وبين دراسة ما يحب!
مثله مثل أقرانه ، كان لأنتوني مشاركته في الحرب العالمية الثانية ، حيث عمل ضمن فرق الإسعاف ، ما جعله يتنقل بين بلاد كثيرة ، لكن الطريف أن حبه للموسيقى لم يمت ، إذ أدار خارج أوقات القتال فرقة موسيقية للرقص – ضمن النشاط الحربي للترفيه عن الجنود.
تعرف أنتوني في الجامعة على زميلة دراسة شابة تدعي لين ، صارت زوجًا له في عام 1942 ، لكن هذا الزواج لم يُقدر له أن يثمر أطفالاً. الغريب أن زوجته كانت ذات طباع صعبة ، رغم ذلك فإنها دفعته وشجعته ليصبح كاتبًا ، كما تركت عليه آثارًا ساعدته على أن يكون لاذع النقد ساخر اللهجة في بعض الأحيان. ماتت لين في عام 1968 بمرض التليف الكبدي بسبب شرب الكحوليات.
بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ، تحول أنتوني للعمل في جامعة برمنجهام ووزارة التعليم ، وكان يؤلف القصص بشكل متقطع ، حتى انتهى من أول رواية له في عام  1949، سماها رؤية المعركة ، والتي لم ينشرها إلا في عام 1965.
في عام 1954 سافر أنتوني للتدريس في مالاي وبروناي ، ما سمح له بتأليف ثلاث قصص بنهاية عام 1959، العام الذي أصابه فيه الدوار المفاجئ وجعله طريح أرضية الفصل الدراسي في جامعة سلطان عمر علي سيف الدين في بروناي ، ومن بعده وهب أنتوني حياته بالكامل للتأليف والكتابة.
هذا التحول جعله يرتحل ما بين مالطة ، إيطاليا ، أمريكا ، موناكو ، وبحلول عام 1964 كان قد انتهى من تأليف 11 قصة. تميزت كتابات أنتوني بالسخرية وتحولت بعض قصصه إلى أفلام سينمائية ، ولعل أشهر قصصه البرتقالة المنتظمة  (A Clockwork Orange) التي تدور في المستقبل في العاصمة لندن.
اشتهر أنتوني بأنه يكتب كل يوم ما لا يقل عن ألف كلمة، وهو تمكن في النهاية من تأليف قطع موسيقية سيمفونية وأوبرالية وللباليه ، وتزوج مرة أخرى بعد وفاة زوجته ، حتى حانت منيته في عام 1993، عن عمر ناهز 76 عامًا ، بمرض سرطان الرئة (ذلك أنه كان شره التدخين! )، وهو ألف رواية بأكملها على سرير مرض الموت.
للأسف ، شاب قصة حياة أنتوني العديد والعديد من العادات الرذيلة والسيئة والتي أعلنها على الملأ ، لكن هذا لا ينال من غاية سرد هذه القصة ، وعلينا أن نأخذ الطيب ، ونترك ما عداه.
الدروس المستفادة :
 
·         كم من المصائب حلت بنا ، وكم منا حوّل هذه المصائب إلى تحولات جذرية مفيدة في حياته.
·         هل تأليف القصص ونشر الكتب أكثر سهولة ويسر في وقتنا الحالي ، أم في أعقاب حرب عالمية تسببت في كساد نال من الأخضر واليابس.
·         ألف كلمة في اليوم كانت العادة التي استمر عليها أنتوني ، ولعل هذا التدريب هو ما ينقص من يريد أن يصبح كاتباً في المستقبل.
·         لم يفت كل هذا في عضد أنتوني ، إذ رغم نجاحه الأدبي ، ألف قرابة ثلاث سيمفونيات ، ليشبع هوايته الأولى ، التي لم يستطع دراستها والتعمق فيها!




المصدر : كتاب 25 قصة نجاح